يبقى في القلب شيءٌ لغير الله أصلًا، بل يبقى العبد مواليًا لربِّه في كلِّ شيءٍ، يحبُّ ما أحبَّ، ويُبغض ما أبغضَ، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عمّا نهى عنه.
فصل
قوله:(وهذا توحيد العامّة، الذي يصحُّ بالشّواهد).
قد تبيَّن أنَّ هذا توحيدُ خاصَّة الخاصَّة، الذي لا شيء فوقه ولا أخصَّ منه، وأنَّ الخليلين أكملُ النّاس فيه، فَلْيَهْنِ العامَّةَ نصيبُهم منه!
قوله:(يصحُّ بالشّواهد)، أي بالأدلّة والآيات والبراهين. وهذا ممّا يدلُّ على كماله وشرفه أن قامت عليه الأدلَّةُ، ونادت عليه الشَّواهدُ، وأوضحته الآياتُ والبراهينُ. وما عداه فدعاوٍ مجرَّدةٌ لا يقوم عليها دليلٌ، ولا تصحُّ بشاهدٍ. فكلُّ توحيدٍ لا يصحُّ بشاهدٍ فليس بتوحيدٍ. فلا يجوز أن يكون توحيدٌ أكملَ من التَّوحيد الذي يصحُّ بالشّواهد والآيات، وتوحيدُ القرآن من أوّله إلى آخره كذلك.
وقوله:(هذا هو التّوحيدُ الظَّاهرُ الجليُّ الذي نفى الشِّركَ الأعظمَ).
فنعم لَعَمْرُ الله. ولظهوره وجلائه أرسل الله به رسلَه، وأنزل به كتبَه، وأمر به الأوّلين والآخرين من عباده. وأمَّا الرَّمزُ والإشارةُ والتَّعقيدُ الذي لا يكاد أن يفهمه أحدٌ من النّاس إلّا بجهدٍ وكلفةٍ، فليس ممّا جاءت به الرُّسل، ولا دعَوا إليه. فظهوُر هذا التّوحيد وانجلاؤه ووضوحه، وشهادةُ الفِطَر والعقول به: من أعظم الأدلّة أنّه أعلى مراتب التّوحيد وذروةُ سنامه. ولذلك قوِيَ على نفي الشِّرك الأعظم، فإنَّ الشَّيءَ كلَّما عظُم لا يدفعه إلّا العظيمُ، فلو كان