للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالجملة فصاحب هذا التجريد لا يقنع من الله بأمرٍ يسكن إليه دون الله، ولا يفرح بما حصل له دون الله، ولا يأسى على ما فاته سوى الله، ولا يستغني برتبة شريفة وإن عَظُمت عنده أو عند الناس، فلا يستغني إلا بالله، ولا يفتقر إلا إلى الله، ولا يفرح إلا بموافقته لمرضاة الله، ولا يحزن إلا على ما فاته من الله، ولا يخاف إلا من سقوطه من عين الله واحتجاب الله عنه، فكلُّه بالله، وكلُّه لله، وكلُّه مع الله، وسيره دائمًا إلى الله؛ قد رُفع له عَلَم فشمَّر إليه، وتجرَّد له مطلوبُه فعمل عليه، تناديه الحظوظ: إليَّ، وهو يقول: إنَّما أريد مَن إذا حصل لي حصل لي (١) كلُّ شيءٍ، وإذا فاتني فاتني كلُّ شيءٍ، فهو مع الله مجرَّدٌ عن خلقه، ومع خلقه مجرَّدٌ عن نفسه، ومع الأمر مجرَّدٌ عن حظِّه، أعني الحظَّ المزاحمَ للأمر، وأمّا الحظُّ المُعِين على الأمر فإنَّه لا يحطُّه تناوله عن مرتبته ولا يُسقطه من عين ربِّه.

وهذا أيضًا موضعٌ غلط فيه من غلط من الشُّيوخ وظنُّوا أن (٢) إرادة الحظِّ نقصٌ في الإرادة. والتّحقيق فيه أنَّ الحظَّ نوعان: حظٌّ يزاحم الأمر، وحظٌّ يؤازر الأمر فينفذه؛ فالأوَّل هو المذموم، والثاني ممدوح وتناوُلُه من تمام العبوديَّة، فهذا لونٌ وهذا لونٌ.

فصل

قال (٣): (وفرار خاصَّة الخاصَّة ممَّا دون الحقِّ إلى الحقِّ، ثمَّ من شهود


(١) «لي» سقطت من الأصل، ل.
(٢) «أن» ساقطة من جميع النسخ عدا ش، ع. ولا بد منها، وإلا لانتصب «نقص».
(٣) «منازل السائرين» (ص ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>