للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعيشُ نومٌ والمنيّةُ يقظةٌ ... والمرء بينهما خيالٌ سارِي (١)

فللرُّسل والشُّهداء والصِّدِّيقين من هذه الحياة التي هي يقظةٌ من نوم الدُّنيا أكملُها وأتمُّها، وعلى قدر حياة العبد في هذا العالم يكون شوقُه إلى هذه الحياة، وسعيُه لها وحرصه على الظّفر بها، والله المستعان.

فصل

المرتبة العاشرة من مراتب الحياة: الحياة الدائمة الباقية بعد طيِّ هذا العالم، وذهابِ الدُّنيا وذهاب أهلها في دار الحيوان، وهي الحياة التي شمَّر إليها المشمِّرون، وتسابقَ إليها المتسابقون، وتنافس فيها المتنافسون، وهي التي أجرينا الكلام إليها، ونادت الكتب السّماويّة ورسل الله جميعهم عليها، وهي التي يقول من فاته الاستعداد لها {دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: ٢١ - ٢٦]، وهي التي قال الله فيها: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٦٤].

والحياة المتقدمة كالنّوم بالنِّسبة إليها، وكلُّ ما تقدّم من وصف السفر ومنازله، وأحوال السّائرين، وعبوديّتهم الظّاهرة والباطنة= فوسيلةٌ إلى هذه الحياة، وإنّما الحياة الدُّنيا بالنِّسبة إليها كما قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ما الدُّنيا في


(١) البيت من رائية التهامي المشهورة التي مطلعها:

حكم المنيّةِ في البرية جاري ... ما هذه الدنيا بذاتِ قرارِ
انظر: «ديوانه» (ص ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>