للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: فطرهم منيبين إليه، فلو خُلُّوا وفِطَرَهم لما عَدَلتْ عن الإنابة إليه، ولكنَّها تُحوَّل وتغيَّر عمَّا فطرت عليه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مولودٍ إلّا يولد على هذه الملَّة (١) حتى يُعرِب عنه لسانُه» (٢).

وقال عن نبيِّه داود عليه السلام: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤)} [ص: ٢٤].

وأخبر أنّ ثوابه وجنّته لأهل الخشية والإنابة فقال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} [ق: ٣١ - ٣٤].

وأخبر سبحانه أنَّ البشرى منه إنّما هي لأهل الإنابة فقال: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} [الزمر: ١٧].

والإنابة إنابتان: إنابة لربوبيّته، وهي إنابة المخلوقات كلِّها، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرُّ والفاجر، قال الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: ٣٣]، فهذا عامٌّ في حقِّ كلِّ داعٍ أصابه ضرٌّ، كما هو الواقع، وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام، بل تجامع الشِّرك والكفر، كما قال تعالى في حقِّ هؤلاء: {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [الروم: ٣٣ - ٣٤] فهذا حالهم بعد إنابتهم.


(١) السياق في ع: «على الفطرة ــ وفي رواية: على الملة ــ».
(٢) أخرجه أحمد (٧٤٤٥)، ومسلم (٢٦٥٨/ ٢٣) من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرجه أيضًا أحمد (١٥٥٨٩)، وأبو يعلى (٩٤٢)، وابن حبان (١٣٢) وغيرهم من حديث الأسود بن سَريع بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>