للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لظمأ الهواجر، ومكابدة هذا اللَّيل (١).

وقوله: (ولا يشهد من نفسه إلّا أثر النُّقصان) يعني: لا يرى نفسه إلَّا مقصِّرًا. والموجب له هذه الرُّؤيةَ: استعظامُ مطلوبه، واستصغارُ نفسه، ومعرفتُه بعيوبها، وقلَّةُ زاده في عينه. فمن عرف الله وعرف نفسه لم يَرَ نفسه إلَّا بعين النُّقصان.

وأمَّا قوله: (ولا يلتفت إلى ترفيه الرُّخص)، فلأنَّه لكمال صدقه، وقوَّة إرادته، وطلبه للتقدُّم، يحمل نفسه على العزائم، ولا يلتفت إلى الرفاهية التي في الرُّخص.

وهذا لا بدَّ فيه من التفصيل، فإنَّ الصادق يعمل على رضا الحقِّ تعالى ومحابِّه، فإذا كانت الرُّخص أحبَّ إليه من العزائم كان التفاته إلى ترفُّهها هو عين صدقه (٢). فإذا أفطر في السفر، وقصر وجمع بين الصلاتين عند الحاجة إليه، وخفَّف الصلاة عند الشُّغل، ونحو ذلك من الرُّخص التي يحبُّ الله تعالى أن يؤخذ بها= فهذه (٣): الالتفاتُ إلى ترفيهها لا ينافي الصِّدق.

بل هاهنا نكتة، وهي أنَّه فرقٌ بين أن يكون التفاته إليها ترفُّهًا وراحةً، وأن


(١) أخرجه أحمد في «الزهد» (ص ٢٢٦) وابن أبي الدنيا في «المحتضرين» (١٢٥) والدِّينَوَري في «المجالسة» (١٨٧) وأبو نعيم في «الحلية» (١/ ٢٣٩، ٥/ ١٠٣) عن معاذ بن جبل بنحوه، وعند أكثرهم زيادة: «ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر»، وهي مثبتة في نسخة ع.
(٢) «فإذا كانت الرخص ... عين صدقه» سقط من ع لانتقال النظر.
(٣) ش، ج، ن: «فهذا». المثبت من الأصل هو الصواب، أي: فهذه الرخص: الالتفات إلى ترفيهها ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>