للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصّبر، وأخذوا في التّرجيح بينهما، فجرّدوا غنيًّا مُنفِقًا متصدِّقًا، باذلًا مالَه في وجوه القُرَب، شاكرًا لله عليه. وفقيرًا متفرِّغًا لطاعة الله ولأوراد العبادات، صابرًا على فقره. فهل هو أكملُ من ذلك الغنيِّ، أم الغنيِّ أكملُ منه؟

فالصّواب في مثل هذا: أنّ أكملَهما أطوعُهما، فإن تساوتْ طاعتهما تساوتْ درجاتُهما. والله أعلم (١).

فصل

قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (٢): (الفقر اسمٌ للبراءة من الملكة).

عدل الشّيخ - رحمه الله - عن لفظ «عدم الملكة» إلى قوله: «البراءة من الملكة»، لأنّ عدم الملكة ثابتٌ في نفس الأمر لكلِّ أحدٍ سوى الله تعالى، فالله سبحانه هو المالك حقيقةً. فعدمُ الملكة أمرٌ ثابتٌ لكلِّ ما سواه لذاته. والكلام في الفقر الذي يُمدَح به صاحبه: هو فقر الاختيار، وهو أخصُّ من مطلق الفقر، وهو براءة العبد من دعوى الملك، بحيث لا يُنازِع مالكَه الحقَّ.

ولمّا كانت نفس الإنسان ليست له، وإنّما هي ملكٌ لله. فما لم يخرج عنها ويُسلِّمها لمالكِها الحقِّ: لم يثبتْ له في الفقر قدمٌ. فلذلك كان أوّلُ قَدَمِ الفقر الخروجَ عن النّفس، وتسليمها لمالكها ومولاها، فلا يخاصم لها، ولا يتوكَّل لها،


(١) «والله أعلم» ليست في د.
(٢) (ص ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>