للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنّ صاحب الصُّورة والخلقة المعتدلة يكتسب بالمقارنة والمعاشرة أخلاقَ من يقارنه ويعاشره، ولو أنّه من الحيوان البهيم. فيصير من أخبث النّاس أخلاقًا وأفعالًا، وتعود له تلك طباعًا، ويتعذّر أو يتعسّر عليه الانتقالُ عنها.

وكذلك صاحب الخلقة والصُّورة المنحرفة عن الاعتدال، يكتسب بصحبة الكاملين وخُلطتِهم أخلاقًا وأفعالًا شريفةً تصير له كالطّبيعة، فإنّ العوائد والمزاولات تُعطي الملكاتِ والأخلاق.

فليتأمّل هذا الموضع، ولا يُعجِّل بالقضاء (١) بالفراسة دونه، فإنّ القاضي حينئذٍ يكون خطؤه كثيرًا. فإنّ هذه العلامات أسبابٌ لا موجبةٌ، وقد تتخلَّف عنها أحكامها لفَواتِ شرطٍ أو لوجود مانعٍ.

وفراسة المتفرِّس تتعلّق بثلاثة أشياء: بعينه، وأُذنه، وقلبه. فعينه: للسِّيما والعلامات. وأذنه: للكلام وتصريحه وتعريضه، ومنطوقه ومفهومه، وفحواه وإشارته، ولحنه وإيمائه ونحو ذلك. وقلبه: للعبور والاستدلال من المنظور والمسموع إلى باطنه وخفيِّه، فيَعبُر إلى ما وراء ظاهره، كعبور النُّقّاد من ظاهر النّقش (٢) والسِّكّة إلى باطن النّقد والاطِّلاع عليه: هل هو صحيحٌ أو زَغَلٌ؟ وكذلك عبور المتفرِّس من ظاهر الهيئة والدَّلِّ إلى باطن الرُّوح والقلب، فنسبةُ نقدِه للأرواح من الأشباح كنسبة نقد الصّيرفيِّ للجوهر من ظاهر السِّكّة والنّقد.


(١) ش، د: «فالقضاء».
(٢) «النقش و» ليست في ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>