للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

قال (١): (الدّرجة الثّانية: استغراق الإشارة في الكشف، وهذا رجلٌ ينطق عن موجوده، ويسير مع مشهوده، ولا يُحِسُّ برعونة رسمه).

إنّما كانت هذه الدّرجة أرفعَ ممّا قبلها؛ لأنّ صاحب الدّرجة الأولى غايته (٢) أن يشير إلى ما تحقَّقَه وإن فارقَه، وصاحب هذه الدّرجة قد فنِيَ عن الإشارة لغلبة توالي نورِ الكشف عليه. فاستغراقُ الإشارة في الكشف هو ارتفاع حكمها فيه، فإنّ الإشارة عندهم نداءٌ على رأس البعد، وبَوْحٌ بمعنى الغاية، وقد ارتفعت العلل عن صاحب هذه الدّرجة، فاستغرقت إشارته في كشفه، فلم يبقَ له إشارةٌ. وإنّما ترتفع الإشارة لاستغراق الكشف لها، إلّا أنّ صاحب هذه الدّرجة فيه بقيّةٌ من رُعونة رسمه، فلذلك قال: (ولا يُحِسُّ برعونة رسمه)، ورعونة الرّسم: هي التفاته إلى إنِّيّته.

وقوله: (وهذا رجلٌ ينطق عن موجوده)، أي: لا يستعير ما يذكره من الذّوق والوجد من غيره، ويكون لسانه ناطقًا به على حال غيره وموجوده، فهو ينطق عن أمرٍ هو متّصفٌ به لا وَصَّافٌ له.

قوله: (ويسير مع مشهوده)، هو بالسِّين المهملة؛ أي: يسير إلى الله عزّ وجلّ عن شهودٍ وكشفٍ، لا مع حجابٍ وغفلةٍ، فهو سائرٌ إلى الله بالله مع الله.

قوله: (ولا يُحِسُّ برعونة رسمه)، الرّسم عندهم هو ذات العبد التي


(١) «المنازل» (ص ٨٩).
(٢) ش، د: «ثمانية». والتصحيح في هامشهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>