للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل يصير ذلك هو مجموع حظِّك ومرادك. وقد عرفتَ أنّ من تقرّب إلى حبيبه بشيءٍ من الأشياء جُوزِي على ذلك بقربٍ هو أضعافه، وعرفتَ أنّ أعلى أنواع التّقرُّب تقرُّب العبد بجملته بظاهره وباطنه وبوجوده إلى حبيبه، فمن فعلَ ذلك فقد تقرَّبَ بكلِّه، ولم تبقَ منه بقيّةٌ لغير حبيبه، كما قيل:

لا كان مَن لِسواكَ فيه بقيّةٌ ... يجد السّبيل بها إليه العُذَّلُ (١)

وإذا كان المتقرّب إليه بالأعمال يُعطى أضعافَ أضعافِ ما تقرَّب به، فما الظّنُّ بمن أعطي حال التّقرُّب وذوقه ووجده؟ فما الظّنُّ بمن تقرّب إليه بروحه وجميعِ إرادته (٢) وهمّته، وأقوالِه وأعماله؟

وعلى هذا فكما جاد لحبيبه بنفسه فإنّه أهلٌ أن يُجادَ عليه، بأن يكون ربُّه سبحانه هو حظُّه ونصيبه عوضًا عن كلِّ شيءٍ جزاءً (٣) وِفاقًا، فإنّ الجزاء من جنس العمل. وشواهد هذا كثيرةٌ:

منها: قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٢]، ففرّق بين الجزاءين كما ترى، وجعل جزاء المتوكِّل عليه كونه سبحانه حَسْبَه.

ومنها: أنّ الشّهيد لمّا بذل حياته لله أعاضَه الله سبحانه حياةً أكملَ منها عنده في محلِّ قربه وكرامته.

ومنها: أنّ من بذلَ لله شيئًا منه أعاضه الله خيرًا منه.


(١) تقدم البيت (٣/ ٣٨٨) بقافية «اللُّوَّمُ». وهناك التخريج.
(٢) ت: «إراداته».
(٣) ش: «آخر».

<<  <  ج: ص:  >  >>