للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه باعًا. فإذا ذاق حلاوة هذا التقرب الثّاني أسرعَ المشيَ حينئذٍ إلى ربِّه، فيذوق حلاوة إتيانه إليه هرولةً. وهاهنا انتهى الحديث، منبِّهًا (١) على أنّه إذا هرولَ عبده إليه كان قربُ حبيبه منه فوق هرولة العبد إليه، فإمّا أن يكون أمسك عن ذلك لِعظَم شأنِ هذا الجزاء، وأنه يدخل في الحدّ الذي لم تسمع به أذنٌ، ولم يَخطُرْ على قلب بشرٍ، أو أحاله على المراتب المتقدِّمة، فكأنّه قيل (٢): وقِسْ على هذا، فعلى قدر ما تبذلُ منك متقرِّبًا إلى ربِّك يتقرَّبُ إليك بأكثر منه، وعلى هذا فلازمُ هذا التّقرُّبِ المذكور في مراتبه: أنّ (٣) من تقرَّب إلى حبيبه بروحه وجميع قُواه وإراداته وأقواله وأعماله تقرّب الرّبُّ سبحانه منه بنفسه في مقابلة تقرُّب عبده إليه.

وليس القرب في هذه المراتب كلِّها قرب مسافةٍ حسِّيّةٍ ولا مماسّةٍ، بل هو قربُ حقيقةٍ، والرّبُّ تعالى فوق سماواته على عرشه، والعبدُ في الأرض.

وهذا الموضع هو سرُّ السُّلوك، وحقيقة العبوديّة، وهو معنى الوصول الذي يُدندِن حولَه القومُ.

ومِلاكُ هذا الأمر هو قصد التّقرُّب أوّلًا، ثمّ التّقرُّب ثانيًا، ثمّ حال التقرُّب ثالثًا، وهو الانبعاث (٤) بالكلِّيّة إلى الحبيب.

وحقيقة هذا الانبعاث: أن تَفنى بمراده عن هواك، وبما يحبُّه عن حظِّك،


(١) «منبِّهًا» ليست في ت.
(٢) في هامش ش: «قال».
(٣) ت، ر: «أي».
(٤) ت: «الانتقال».

<<  <  ج: ص:  >  >>