للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشتمل على الخير والشّرِّ والعوج والاستقامة. فقضاؤه كلُّه حقٌّ، والمقضيُّ: منه حقٌّ، ومنه باطلٌ. وقضاؤه كلُّه عدلٌ، والمقضيُّ: منه عدلٌ وجورٌ. وقضاؤه كلُّه مرضيٌّ، والمقضيُّ: منه مرضيٌّ، ومنه مسخوطٌ. وقضاؤه مسالمٌ، والمقضيُّ: منه ما يسالم، ومنه ما يحارب.

وهذا أصلٌ (١) عظيمٌ تجب مراعاته، وهو موضع مَزلَّة أقدامٍ كما رأيت، والمنحرف عنه: إمّا جاحدٌ للحكمة، أو للقدرة، أو للأمر والشّرع ولا بدّ. وعلى هذا يُحمل كلام صاحب «المنازل» - رحمه الله -، أي: لا يُبتغى للحكم عِوجٌ.

وأمّا قوله: «أو يُدافَع بعلمٍ»، فأشكلُ من الأوّل، فإنّ العلم مقدّمٌ على القدر وحاكمٌ عليه، ولا يجوز دفع العلم بالحكم.

فأحسنُ ما يُحمل عليه كلامه أن يقال: قضاء الله وقدره وحكمه الكونيُّ لا يناقض دينَه وشرعه وحكمه الدِّينيّ (٢)، بحيث تقع المدافعةُ بينهما. لأنّ هذا مشيئته الكونيّة، وهذا إرادته (٣) الدِّينيّة. وإن كان المرادان قد يتدافعان ويتعارضان، لكن من تعظيم كلٍّ منهما: أن لا يُدافَع بالآخر ويُعارَض، فإنّهما وصفان للرّبِّ تعالى، وأوصافه لا يُدفَع بعضها ببعضٍ، وإن استُعِيذ ببعضها من بعضٍ، فالكلُّ منه سبحانه. وهو المعيذ من نفسه بنفسه، كما قال أعلم الخلق به: «أعوذ برضاك من سَخَطِك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك


(١) د: «أمر». وصحح في الهامش.
(٢) د: «التديني».
(٣) ل: «إرادة».

<<  <  ج: ص:  >  >>