للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون متابعةً وموافقةً، ومع هذا فالالتفات إليها ترفُّهًا وراحةً لا ينافي الصِّدق، فإنَّ هذا هو المقصود منها. وفيه شهود نعمة الله على العبد، وتعبُّدٌ باسمه البَرِّ اللطيفِ المحسنِ الرفيقِ، فإنَّه رفيقٌ يحبُّ الرِّفق (١)، وفي «الصحيح» (٢): «ما خيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلَّا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا»؛ لِما فيه من روح التعبُّد باسم الرفيق اللطيف، وإجمام القلب به لعبوديَّةٍ أخرى، فإنَّ القلب لا يزال يتنقَّل في منازل العبوديَّة، فإذا أخذ بترفيه رخصةِ محبوبه (٣) استعدَّ بها لعبوديَّةٍ أخرى. وقد تقطعه عزيمتُها عن عبوديَّةٍ هي أحبُّ إلى الله منها، كالصائم في السفر الذي ينقطع عن خدمة أصحابه، والمفطر الذي يضرب الأبنية، ويسقي الرِّكاب، ويضمُّ المتاع؛ ولهذا قال فيهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» (٤).

وأمَّا الرُّخص التأويليَّة المستندةُ إلى اختلاف المذاهب والآراء التي تصيب وتخطئ، فالأخذ بها عندهم عين البطالة ومنافٍ للصِّدق.

فصل

قال (٥): (الدرجة الثالثة: الصِّدق في معرفة الصِّدق. فإنّ الصِّدق لا يستقيم في علم أهل الخصوص إلَّا على حرفٍ واحدٍ، وهو أن يتَّفق (٦) رضا


(١) يشير إلى حديث عائشة المتفق عليه: «إن الله رفيق يحب الرفق».
(٢) للبخاري (٣٥٦٠) ومسلم (٢٣٢٧) عن عائشة.
(٣) ج، ع: «رخصةٍ محبوبةٍ».
(٤) أخرجه البخاري (٢٨٩٠) ومسلم (١١١٩) من حديث أنس.
(٥) (ص ٤٤) و «شرح التلمساني» (ص ٢٤٤) واللفظ له.
(٦) غير محرَّر في الأصل، يشبه: «يتقن»، وكذا في ل. وفي ش: «يتيقَّن». والمثبت من ج، ن، ع هو الصواب، وعليه شرحه المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>