للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معرفةٍ قبلها حملت عليها ودعت إليها (١)، ومعرفةٍ بعدها هي من نتائجها وآثارها.

وأمَّا (ربطه بروح الأنس)، فهو تعلُّق قلبه بالأنس بالله، تعلُّقًا لازمًا لا يفارقه، بل يجعل بين القلب والأنس رابطة لازمة. ولا ريب أنَّ هذا يكرِّه إليه ملابسة الخلق، بل يجد الوحشة في ملابستهم بقدر أنسه بربِّه، وقرَّةِ عينه بحبِّه، وقربه منه، فإنَّه ليس مع الله غيره. فإن لابسهم لابسهم برسمه دون سرِّه وروحه وقلبه، فقلبُه وروحه في ملأٍ، وبدنه ورسمه في ملأٍ.

فصل

قال (٢): (الدرجة الثالثة: حياءٌ يتولَّد من شهود الحضرة، وهي التي تشوبها هيبة، ولا تقارنها تفرقة، ولا يوقف لها على غاية).

شهود الحضرة: انجذاب الرُّوح والقلب من الكائنات، وعكوفُه على ربِّ البريَّات، فهو في حضرة قربه مشاهدًا لها. وإذا وصل القلب إليها غشيَتْه الهيبة وزالت عنه التفرقة، إذ ما مع الله سواه، فلا يخطر بباله في تلك الحال سوى الله وحده. وهذا مقام الجمعيَّة.

وأمَّا قوله: (ولا يوقف لها على غاية)، يعني أنَّ كلَّ مَن وصل إلى مطلوبه وظفر به وصل إلى الغاية، إلَّا صاحب هذا الشهود، فإنَّه لا يقف بحضرة الرُّبوبيَّة على غاية، فإنَّ ذلك مستحيل. بل إذا شهد تلك (٣) الحضرة التي هي


(١) زاد في ع: «ودلَّت عليها».
(٢) «المنازل» (ص ٤٣) و «شرح التلمساني» (ص ٢٣٩) واللفظ له.
(٣) زاد في ع: «الروابي، ووقف على تلك الربوع، وعاين».

<<  <  ج: ص:  >  >>