للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدكم من عنق راحلته».

فهذا قربٌ خاصٌّ بالداعي دعاءَ العبادة والثناء والحمد. وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الربِّ لخلقه، واستواءَه على عرشه، بل يجامعه ويلازمه، فإنَّه ليس كقرب الأجسام بعضها من بعضٍ ــ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا ــ، ولكنَّه نوعٌ آخر. والعبد في الشاهد يجد روحه قريبةً جدًّا من محبوبٍ بينه وبينه مفاوز تنقطع فيها أعناق المطيِّ، ويجده أقرب إليه من جليسه، كما قيل (١):

ألا ربّ من يدنو ويزعم أنَّه ... يحبُّك والنائي أحبُّ وأقرب

وأهل السنة أولياءُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وورثته وأحبَّاؤه الذين (٢) هو عندهم أولى بهم من أنفسهم وأحبُّ إليهم منها= يجدون نفوسهم أقرب إليه وهم في الأقطار النائية عنه مِن جيران حجرته في المدينة. والمحبُّون المشتاقون للكعبة البيت الحرام يجدون قلوبهم وأرواحهم أقربَ إليها من جيرانها ومَن حولها. هذا مع عدم تأتِّي القربِ منها، فكيف بمن يقرُب من خلقه كيف يشاء وهو مستوٍ على عرشه؟! وأهل الذوق لا يلتفتون في ذلك إلى شبهة معطِّلٍ بعيدٍ من الله، خليٍّ من محبَّته ومعرفته.

والقصد: أنَّ هذا القرب يدعو صاحبه إلى ركوب المحبَّة، وكلَّما ازداد حبًّا ازداد قربًا، فالمحبَّة بين قربين: قربٍ قبلها وقربٍ بعدها، وبين معرفتين:


(١) أنشده بعضهم وهو يودِّع الكعبة. انظر: «طبقات الصوفية» للسلمي (ص ٣٩٤).
(٢) ل، ش: «الذي».

<<  <  ج: ص:  >  >>