للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال غيره: من عرف الله اتَّسع عليه كلُّ ضيقٍ (١).

ولا تنافي بين هذين الأمرين، فإنَّه يَضيق عليه كلُّ مكانٍ لا يُساعَد فيه على شأنه ومطلوبه، ويتَّسع عليه ما ضاق على غيره لأنَّه ليس فيه، ولا هو مساكنٌ له بقلبه، فقلبه غير محبوسٍ فيه. والأوَّل في بداية المعرفة، والثاني في غايتها التي يصل إليها العبد.

وقال آخر: من عرف الله تعالى صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلُّ شيءٍ، وذهب عنه خوف (٢) المخلوقين، وأَنِس بالله.

وقال غيره: من عرف الله (٣) قرَّت عينه بالله، وقرَّت به كلُّ عينٍ، ومن لم يعرف الله تقطَّع قلبه على الدُّنيا حسراتٍ.

ومن عرف الله لم يبق له رغبةٌ في سواه، ومن ادَّعى معرفة الله وهو راغبٌ في غيره كذَّبَتْ رغبتُه معرفتَه.

ومن عرف الله أحبَّه على قدر معرفته به، وخافه ورجاه، وتوكَّل عليه، وأناب إليه، ولهج بذكره، واشتاق إلى لقائه، واستحيا منه، وأجلَّه وعظَّمه على قدر معرفته به.

وعلامة العارف: أن يكون قلبه مرآةً، إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الذي دُعي إلى الإيمان به، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يترايا له فيها اللهُ سبحانه،


(١) «القشيرية» (ص ٦٤١) بنحو معناه، وسيأتي لفظه قريبًا.
(٢) في ش، د زيادة: «كل»، ولم ترد في «القشيرية».
(٣) من هنا يبدأ سقط في د لسقوط ورقة من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>