للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويريد بالبذل والمنع أحد أمرين: إمّا بذل الرُّوح والنّفس لمحبوبه، ومنعها عن غيره، فيكون البذل والمنع صفة المحبِّ. وإمّا بذل الحبيب ومنعه، فتتعلّق همّةُ المحبِّ به في حالتَيْ بذلِه ومنعِه.

ويريد بالإفراد معنيين: إمّا إفراد المحبوب وتوحيده بذلك التّعلُّق، وإمّا فناءه في محبّته، بحيث ينسى نفسه وصفاته في ذكر محاسن محبوبه، حتّى لا يبقى إلّا المحبوب وحده.

والمقصود: إفراد المحبِّ لمحبوبه بالتوجُّه والمحبّة.

فصل

قال (١): (والمحبّة أوّلُ أودية الفناء، والعَقَبة التي ينحدرُ منها على منازل المَحْو. وهي آخرُ منزلٍ تلتقي (٢) فيه مقدِّمةُ العامّة وساقَةُ الخاصّة).

إنّما كانت المحبّة أوّلَ أودية الفناء لأنّها تُفنِي خواطرَ المحبِّ عن التّعلُّقِ بالغير. وأوّلُ ما يَفنى من المحبِّ خواطرُه المتعلِّقة بِسِوى محبوبه، لأنّه إذا انجذبَ قلبه بكلِّيّته إلى محبوبه انجذبتْ خواطِرُه تبعًا.

ويريد بمنازل المحو مقاماته.

وأوّلها: مَحْو الأفعال في فعل الحقِّ تعالى، فلا يرى لنفسه ولا لغيره فعلًا.

الثّاني: مَحْو الصِّفات التي في العبد. فيراها عاريةً أُعِيرَها وهِبةً وُهِبَها، ليستدلّ بها على بارئه وفاطره، وعلى وحدانيّته وصفاته. فيعلم بواسطة


(١) (ص ٧١).
(٢) «المنازل»: «تلقى».

<<  <  ج: ص:  >  >>