للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها أمران:

أحدهما: شواهد الحقيقة. وهي ما يقوم بقلب العبد، حتّى كأنّه يشاهده ويبصره لغلبته عليه، فكلُّ ما يستولي على قلبِ صاحبه ذِكرُه فإنّه شاهده. فمنهم من يكون شاهده العلم، ومنهم من يكون شاهده الذِّكر، ومنهم من يكون شاهده المحبّة، ومنهم من شاهده الخوف. فالمريد يأنَسُ بشاهده، ويستوحش لفقده.

والثّاني: شاهد الحال. وهو الأثر الذي يقوم به، ويظهر عليه من عمله وسلوكه وحاله، فإنّ شاهده لا بدَّ أن يظهر عليه.

ومراد صاحب «المنازل»: الشّاهد الأوّل الذي يأنَس به المريد، وهو الحامل له على استحلاء (١) الذِّكر، طلبًا لظَفَره بحصول المذكور، فهو يستأنس بالذِّكر طلبًا لاستئناسه بالمذكور، ويتغذّى بالسّماع كما يتغذّى الجسم بالطّعام والشّراب.

فإن كان محبًّا (٢) صادقًا، طالبًا لله، عاملًا على مرضاته= كان غذاؤه بالسّماع القرآنيِّ، الذي كان غذاءَ سادات العارفين من هذه الأمّة، وأبرِّها قلوبًا، وأصحِّها أحوالًا، وهم الصّحابة - رضي الله عنهم -.

وإن كان منحرفًا فاسدَ الحال، ملبوسًا عليه، مغرورًا مخدوعًا= كان غذاؤه بالسّماع الشّيطانيِّ، الذي هو قرآن الشّيطان، المشتمل على مَحابِّ النُّفوس ولذّاتها وحظوظها، وأصحابُه أبعدُ الخلق من الله، وأغلظُهم عنه


(١) ل: «استجلاء»، تصحيف.
(٢) «محبا» ليست في ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>