للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله محملٌ آخر صحيحٌ أيضًا، وهو أنّ ذات العبد وصفاته وأفعاله وقواه وحركاته كلّها مفعولةٌ للرّبِّ، مملوكةٌ له، ليس يملك العبد منها شيئًا، بل هي محضُ مِلكِ الله، فهو المالك لها، المُنعِم على عبده بإعطائه إيّاها. فالمال ماله، والعبد عبده، والخدمة مستحقّةٌ عليه بحقِّ الرُّبوبيّة، وهي من فضل الله عليه. فالفضل كلُّه لله، ومن الله، وبالله.

قوله: (ويُغرِق نهاياتِ الخبر في بداياتِ العيان).

الخبر: متعلّق الغيب، والعيان: متعلّق الشّهادة. وهو إدراك عين البصيرة لصحّة الخبر وثبوت مخبره.

ومراده ببدايات العيان: أوائل الكشف الحقيقيِّ الذي يدخل منه إلى مقام الفناء، ومقصوده أن يرى المشاهد ما أخبر به الصّادق بقلبه عيانًا. قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: ٦]. وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: ١٩]. فقابلَ من رأى بعين قلبه أنّ ما أنزل إلى رسوله هو الحقُّ بمن هو أعمى لا يبصر ذلك. وقال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في مقام الإحسان: «أن تعبدَ الله كأنّك تراه» (١). ولا ريبَ أنّ تصديق الخبر واليقين به يَقوى حتّى يصيرَ للقلب بمنزلة المُشاهَد بالعين.

فصاحب هذا المقام كأنّه يرى الله سبحانه فوق سماواته على عرشه (٢)، مطلعٌ على عباده ناظِرٌ إليهم، يسمع كلامهم، ويرى ظواهرهم وبواطنهم.


(١) كما في حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (٥٠) ومسلم (٩).
(٢) «فوق سماواته على عرشه» مشطوب عليها في ش بفعل فاعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>