للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشهوته على الشّيء ولم (١) يُمكِنه تحصيلُه إلّا بالقوّة الغضبيّة، فاستعملَها فيه= أورثه ذلك العدوانَ والبغيَ والظُّلم، ومنه يتولَّدُ الكِبر والفخر والخُيَلاء، فإنّها أخلاقٌ متولّدةٌ من بين قوّتي الشّهوة والغضب، وتزوُّجِ أحدهما بصاحبه.

فإذا تبيّن هذا فالنّهر مثال هاتين القوّتين، وهو مُنْصَبٌّ في حَدُورِ (٢) الطّبيعة ومجراها إلى دور القلب وعمرانه وحواصله، يُذْهِبُها ويُتلِفها ولا بدّ. فالنُّفوس الجاهلة الظّالمة تركتْه ومَجراه، فخرَّبَ ديار الإيمان، وقلعَ آثارَه، وَهدَم عُمرانَه، وأنبتَ موضعَها كلَّ شجرةٍ خبيثةٍ، من حَنْظلٍ وضَريعٍ وشَوْكٍ وزَقُّومٍ، وهو الذي يأكله أهل النّار يومَ المعاد.

وأمّا النُّفوس الزّكيّة الفاضلة: فإنّها رأتْ ما يؤولُ إليه أمرُ هذا النّهر، فافترقوا ثلاثَ فِرقٍ:

فأصحاب الرِّياضات والمجاهدات والخَلَوات والتمزُّقات (٣) راموا قطْعه من ينبوعه (٤)، فأبتْ ذلك حكمة الله تعالى وما طبع عليه الجبلّة البشريّة، ولم تَنْقَد له الطّبيعة، فاشتدّ القتال، ودام الحرب، وحَمِي الوطيس، وصارت الحرب دُوَلًا وسِجالًا. وهؤلاء صرفوا قواهم إلى مجاهدة النّفس على إزالة تلك الصِّفات.


(١) الواو ليست في ش، ل.
(٢) الحدور: الموضع المنحدر.
(٣) أي تمزُّقات القلب، ويمكن أن يكون المراد منها تمزيق الثياب عند السماع كما هو معروف عند الصوفية.
(٤) ل: «منبوعه».

<<  <  ج: ص:  >  >>