للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشير إليه؟ إذن فصار (١) المتأخِّرون أربابُ هذه الاصطلاحات الحادثة بالألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة أعرفَ بمقامات السالكين ومنازل السّائرين وغاياتها من أعلَمِ الخلق بالله بعد رسله! هذا من أعظم الباطل.

وهؤلاء في باب الإرادة والطلب والسُّلوك نظيرُ أرباب الكلام من المعتزلة والجهميّة ومن سلك سبيلهم في باب العلم والخبر عن الله وأسمائه وصفاته. فالطّائفتان ــ بل وكثيرٌ من المصنِّفين في الفقه ــ من المتكلِّفين أشدَّ التكلُّف. وقد قال الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: ٨٦]. وقال عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه -: من كان منكم مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات، فإنَّ الحيَّ لا يؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمّدٍ، أبرُّ هذه الأمّة قلوبًا، وأعمقُها علمًا، وأقلُّها تكلُّفًا. قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيِّه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقَّهم، وتمسَّكُوا بهديهم، فإنّهم كانوا على الهدي المستقيم (٢).

فلا تجد هذا التكلُّف الشديد والتعقيد في الألفاظ والمعاني عند الصَّحابة أصلًا، وإنّما يوجد عند من عدل عن (٣) طريقهم. وإذا تأمّله العارفُ وجَدَه «كلحمِ جملٍ غثٍّ، على رأس جبلٍ وَعْرٍ؛ لا سهلٌ فيرتقَى، ولا سمينٌ


(١) لم ترد «إذن» في ش، د. وفي ر: «أفصار».
(٢) أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (٧٤٦) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١٨١٠). وروي بنحوه عن الحسن البصري عند الآجري في «الشريعة» (١١٦١، ١٩٨٤) وابن عبد البر (١٨٠٧).
(٣) «عن» ساقطة من ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>