للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبرحُ ما يكون الشّوقُ يومًا ... إذا دَنَتِ الخيامُ من الخيام

قال الجنيد: سمعت السَّرِيّ رحمهما الله يقول: الشّوق أجلُّ مقامٍ للعارف إذا تحقَّقَ فيه، وإذا تحقَّقَ في الشّوق لَهَا عن كلِّ شيءٍ يَشْغَلُه عمّن يشتاق إليه (١).

وعلى هذا فأهل الجنّة دائمًا في الشوق (٢) إلى الله، مع قربِهم منه ورؤيتِهم له.

قالوا: ومن الدّليل على أنّ الشّوق يكون حال اللِّقاء أعظم: أنَّك ترى المحبَّ يبكي عند لقاء محبوبه، وذلك البكاء إنّما هو من شدّة شوقه إليه ووَجْدِه (٣)، ولذلك يجد عند لقائه نوعًا من الشّوق لم يجدْه في حالِ غَيبته عنه.

وفصلُ النِّزاع في هذه المسألة: أنّ الشّوق يُراد به حركة القلب واهتياجه للقاء المحبوب، فهذا يزول باللِّقاء. ولكن يعقبه شوقٌ آخر أعظم منه، تُثِيره حلاوة الوصل ومشاهدة جمال المحبوب، فهذا يزيد باللِّقاء والقرب ولا يزول. والعبارة عن هذا وجودُه، والإشارة إليه حصولُه. وبعضهم سمّى النّوع الأوّل شوقًا، والثّاني اشتياقًا.

قال القشيريُّ (٤): سمعت الأستاذ أبا عليٍّ الدّقّاق - رحمه الله - يُفرِّق بين


(١) «الرسالة القشيرية» (ص ٦٦٨).
(٢) ت: «شوق».
(٣) ت: «ووجده به».
(٤) في «الرسالة القشيرية» (ص ٦٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>