والنّاس في هذا المقام ثلاثةٌ: عبد محضٌ، وحرٌّ محضٌ، ومُكاتَبٌ قد أدّى بعض كتابته وهو يسعى في بقيّة الأداء.
فالعبد المحض: عبدُ الماء والطِّين الذي قد استعبدتْه نفسُه وشهوتُه، وملكتْه وقهرتْه، فانقاد لها انقيادَ العبد إلى سيِّده الحاكم عليه.
والحرُّ المحض: هو الذي قهر نفسَه وشهوتَه وملكَها، فانقادتْ معه، وذلَّتْ له، ودخلَتْ تحت رقِّه وحكمه.
والمُكاتَب: من قد عقد له سبب الحرِّيّة، وهو يسعى في كمالها. فهو عبد من وجهٍ حرٌّ من وجهٍ، وللبقيّة التي بقيتْ عليه من الأداء كان عبدًا ما بقي عليه درهمٌ، فهو عبد ما بقي عليه حظٌّ من حظوظ نفسه.
فالحرُّ من تخلَّص من رقِّ الماء والطِّين، وفاز بعبوديّة ربِّ العالمين، فاجتمعت له العبوديّة والحرِّيّة. فعبوديّته من كمال حرِّيّته، وحرِّيّته من كمال عبوديّته.
قوله:(إن سلَبه أنساه اسمَه، وإن لم يسلُبه أعاره رسْمَه)، أي هذا الوجد إن سَلَب صاحبَه بالكلِّيّة فأفناه عنه وأخذَه منه= أنساه اسمَه، لأنّ الاسم تبعٌ للحقيقة، فإذا سلب الحقيقة نسي اسمها. وإن لم يسلبه بالكلِّيّة، بل أبقى منه (١) رسمًا، فهو مُعَارٌ عنده بصدد الاسترجاع، فإنَّ العواري يوشك أن تُستَردّ. يشير بالأوّل: إلى حالة الفناء الكامل، وبالثّاني: إلى حالة الغَيبة التي يؤوب غائبها. والله أعلم.