للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يَسلُبه أعاره رسمَه).

قوله: (يَخْطَف العبدَ من يد الكونين) , أي يُغنيه عن شهود ما سوى الله من كونَي الدُّنيا والآخرة, فيختطفُ القلبَ من شهود هذا وهذا بشهود المُكوِّن.

قوله: (ويُمحِّص معناه من دَرَنِ الحظِّ)، أي يُخلِّص عبوديَّته التي هي حقيقته وسِرُّه من وَسَخِ حظوظِ نفسه، وإراداتِها المزاحمةِ لمراد ربِّه منه. فإنّ تحقيق العبوديّة ــ التي هي معنى العبد ــ لا يكون إلّا بفقد النّفس الحاملة للحظوظ، فمتى فَقَدت حظوظَها تمحَّصتْ (١) عبوديّتُها، وكلّما مات منها حظٌّ حَيِيَ منها عبوديّةٌ ومعنًى، وكلّما حَيِيَ فيها حظٌّ ماتت منها عبوديّةٌ، حتّى يعود الأمر على نفسين وروحين وقلبين: قلبٌ حيٌّ وروحٌ حيّةٌ بموت نفسه وحظوظها، وقلبٌ ميِّتٌ وروحٌ ميِّتةٌ بحياة نفسه وحظوظه. وبين ذلك مراتبُ متفاوتةٌ في الصِّحّة والمرض وبينَ بينَ، لا يُحصيها إلّا الله.

قوله: (ويسلُبه من رِقِّ الماء والطِّين)، أي يُعتِقه ويُحرِّره من رقِّ الطّبيعة والجسم المركّب من الماء والطِّين إلى رِقِّ ربِّ العالمين، فخادمُ الجسم الشّقيُّ بخدمته عبدُ الماء والطِّين، كما قيل (٢):

يا خادمَ الجسمِ كَمْ تَشْقى بخدمتِه ... فأنت بالرُّوحِ لا بالجسمِ إنسانُ


(١) ت: «تمحضت».
(٢) البيت لأبي الفتح البستي من نونيته المشهورة في «ديوانه» (ص ١٨٣). وهو ملفَّق من بيتين:
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ... لتطلب الربحَ فيما فيه خُسران
أقبِلْ على النفس فاستكمِلْ فضائلَها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

<<  <  ج: ص:  >  >>