للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: (مُنِيخةً بفِناء الجمع)، يعني: قد شارفت مشاهدته منزلَ الجمع، وأناخت به، وتهيّأ لدخوله. وهذه استعارةٌ، فكأنّه مثّل المشاهد بالمسافر بناقته التي يسافر عليها، فإنّها الحاملة له، وشبّه حضرة الجمع بالمنزل والدّار، وقد أناخ المسافر مركوبَه بفِنائها، وهذا إشارةٌ منه إلى إشرافه عليها، وأنّ نور الوجود لا يلُوح إلّا منها.

فصل

قال (١): (الدرجة الثانية: مشاهدة معاينةٍ، تقطع حِبالَ الشواهد، وتُلبِس نعوتَ القدس، وتُخرِس ألسنةَ الإشارات).

إنّما كانت هذه الدّرجة أعلى ممّا قبلها، لأنّ تلك الدّرجة مشاهدةٌ ترقَّتْ عن العلم النّظريِّ بالتّوحيد، وتمكَّنتْ في وجود التّوحيد، حتّى صار صاحبها يرى الأسباب كلّها (٢) من واحدٍ متقدِّمٍ عليها، لا أوّل (٣) لوجوده حالًا وذوقًا، وأناخَ بفِناء الجمع ليتبوّأه منزلًا لتوحيده، ولكنّه بعدُ لم يكمُل استغراقُه عن شهود رسمها بالكلِّيّة، فشواهد الرُّسوم بعدُ معه. وصاحبُ هذه الدّرجة قد انقطعت عنه حبال الشّواهد، وتمكَّن في مقام المشاهدة، وتطهّر من نعوت النّفس، ولبِسَ نعوتَ القدس، فتطهّر من الالتفات إلى غير مشهوده، فخَرِسَ لذلك لسانه عن الإشارة إلى ما هو فيه. فهذه المشاهدة عنده فوق مشاهدة المعرفة؛ لأنّ تلك من لوائح نور الوجود، وهذه مشاهدةٌ


(١) «المنازل» (ص ٩٤).
(٢) ش، د: «فكلها».
(٣) ش: «الأول». د: «الأول».

<<  <  ج: ص:  >  >>