للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العارفون بالله على أنَّ الخِذْلانَ (١): أن يخلِّيَ الله بينك وبين نفسك، والتّوفيقَ: أن لا يكلك الله إلى نفسك. وله سبحانه في هذه التّخليةِ بينك وبين الذّنب وخذلانِك حين (٢) واقعتَه حِكَمٌ وأسرارٌ (٣)، سنذكر بعضها.

وعلى الاحتمالين، فترجع التّوبة إلى اعتصامك به وعصمته لك.

قوله: (وفرحِك عند الظّفر به). الفرحُ بالمعصية دليلُ شدّةِ الرّغبة فيها، والجهلِ بقَدْر مَن عصاه، والجهلِ بسوء عاقبتها وعظم خطرها= ففرحُه بها غطّى عليه ذلك كلُّه. وفرحُه بها أشدُّ ضررًا عليه من مواقعتها. والمؤمنُ لا تتمُّ لذَّتُه بمعصيته (٤) أبدًا، ولا يكمل بها فرحُه؛ بل لا يباشرها إلّا والحزنُ (٥) مخالطٌ لقلبه، ولكنَّ سكرَ الشَّهوة يحجبه عن الشُّعور به. ومتى خلا قلبُه من هذا الحزن واشتدَّت غبطتُه وسرورُه فليتَّهِمْ إيمانَه، وليَبْكِ على موت قلبه؛ فإنّه لو كان حيًّا لأحزنه ارتكابُه للذَّنب، وغاظه (٦)، وصعب عليه، ولأحَسَّ القلبُ بذلك؛ فحيث لم يُحِسَّ به فـ"ما لجُرْحٍ بميِّتٍ إيلامُ" (٧).


(١) بعده زيادة في ع: "أن يكلك الله إلى نفسك".
(٢) ع: "حتى".
(٣) ما عدا ع: "حكمًا وأسرارًا".
(٤) ج، ش: "بمعصية".
(٥) ما عدا ع: "الخوف"، وهو تصحيف.
(٦) رسمه في ق، ل، م بالضاد.
(٧) عجز بيت للمتنبي في "ديوانه" (ص ١٤٩)، وصدره:
من يَهُنْ يسهُلِ الهوانُ عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>