للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

قال صاحب «المنازل» (١): (باب الانفصال. قال الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨]. ليس في المقامات شيءٌ فيه من التّفاوت ما في الانفصال).

وجه الإشارة بالآية أنَّه سبحانه المقرِّب المُبعد، فليحذر القريب من الإبعاد والمتَّصل من الانفصال، فإنَّ الحقَّ ــ جلَّ جلاله ــ غيورٌ، لا يرضى ممَّن عرفه ووجد حلاوة معرفته، واتَّصل قلبه بمحبَّته والأنس به، وتعلَّقت روحه بإرادة وجهه الأعلى= أن يكون له التفاتٌ إلى غيره البتَّة.

ومِن غَيرته سبحانه حرَّم الفواحش، والله سبحانه يغار أشدَّ الغَيرة على عبده أن يلتفت إلى سواه؛ فإذا أذاقه حلاوةَ محبَّتِه، ولذَّةَ الشَّوق إليه، وأنسَ معرفته، ثمَّ ساكن غيره= باعَدَه مِن قربه، وقطعه مِن وصله، وأوحش سرَّه، وشتَّت قلبه، ونَغَّص عيشه، وألبسه رداءَ الذلِّ والصغار والهوان؛ فنادى عليه حالُه، إن لم يصرِّح به قالُه: هذا جزاء من تعوَّض عن وليِّه وإلهه وفاطره ومَن لا حياة له إلَّا به بغيره، وآثر غيرَه عليه، فاتَّخذ سواه له حبيبًا، ورضي بغيره أَنيسًا، واتّخذ سواه وليًّا، (٢) {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: ٥٠].


(١) (ص ١٠٠).
(٢) زِيد في ر: «قال الله تعالى».

<<  <  ج: ص:  >  >>