للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا ضُرب هذا القلب بسوط البعد والحجاب، وسلِّط عليه من يسومه سوء العذاب، وملئ من الهموم والغموم والأحزان، فصار محلًّا للجيف والأقذار والأنتان، وبُدِّل بالأنس وحشةً، وبالعزِّ ذلًّا، وبالقَنَع حرصًا، وبالقرب بعدًا وطردًا، وبالجمع شتاتًا وتفرقةً= كان هذا بعض جزائه. وحينئذٍ فتَطْرُقه الطوارق المؤلمات، وتعتريه وفود الأحزان والهموم بعد وفود المسرَّات.

قرأ قارئٌ بين يدي السَّريِّ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: ٤٥]، فقال السريُّ: تدرون ما هذا الحجاب؟ هذا حجاب الغيرة، ولا أحد أغير من الله (١). فمن عرفه وذاق حلاوة قربِه ومحبَّته، ثمَّ رجع عنه إلى مساكنة غيره= ثبَّطَ جوارحَه عن طاعته، وعقل قلبه عن إرادته ومحبَّته، وأخَّره عن محلِّ قربه، وولَّاه ما اختاره لنفسه.

وقال بعضهم: احذره (٢)، فإنَّه غيورٌ، لا يحبُّ أن يرى في قلب عبده سواه (٣).

ومن غيرته سبحانه: أنَّ صفيَّه آدم لمَّا ساكن بقلبه الجنَّة، وحرص على الخلود فيها أخرجه منها.

ومن غيرته سبحانه: أنَّ إبراهيم خليله لمَّا أخذ إسماعيلُ شعبةً من قلبه


(١) «القشيرية» (ص ٥٤٦).
(٢) ت: «احذروه».
(٣) «القشيرية» (ص ٥٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>