للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنّهي، ومعرفة العبادات وشروطها وواجباتها ومبطلاتها، وعن علم أحكام الله ورسوله على ظاهره وباطنه= فقد أعاذ الله مَن هو دون الجنيد من ذلك، فضلًا عن سيِّد الطّائفة وإمامها، وإنّما يقول ذلك قُطّاع الطّريق، وزنادقة الصُّوفيّة وملاحدتُهم، الذين لا يرون اتِّباع الرّسول شرطًا في الطّريق.

وأيضًا فإنّ المريد الصّادق يفتح الله على قلبه، ويُنوِّره بنورٍ من عنده، مضافٍ إلى ما معه من نور العلم، يعرف به كثيرًا من أمر دينه، فيستغني به عن كثيرٍ من علم النّاس. فإنّ العلم نورٌ، وقلبُ الصّادق (١) ممتلئٌ بنور الصِّدق، ومعه نور الإيمان، والنُّور يهدي إلى النُّور. والجنيد - رحمه الله - أخبر بهذا عن حاله، وهذا أمرٌ جزئيٌّ ليس على عمومه، بل صدقُه يُغنيه عن كثيرٍ من العلم. وأمّا عن جملة العلم: فكلام أبي القاسم الثّابت عنه في ضرورة الصّادق إلى العلم، وأنّه لا يُفلح من لم يكن له علمٌ، وأنّ طريق القوم مقيّدةٌ بالعلم، وأنّه لا يحلُّ لأحدٍ أن يتكلّم في الطّريق إلّا بالعلم (٢) = مشهورٌ (٣) معروفٌ قد ذكرنا فيما مضى طرفًا منه، كقوله: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأنّ علمنا مقيّدٌ بالكتاب والسُّنّة (٤).

وأيضًا فإنّ علم العلماء الذين أشار إليهم هو ما فهموه واستنبطوه من القرآن والسُّنّة. والمريد الصّادق هو الذي قرأ القرآن وحفظ السُّنّة، والله يرزقه ببركة صدقه ونور قلبه فهمًا في كتابه وسنّة رسوله يُغنيه عن تقليد فهمِ غيره.


(١) ل: «صادق».
(٢) ل: «بعلم».
(٣) خبر لـ «كلام».
(٤) «الرسالة القشيرية» (ص ١٥٥). ورواه أبو نعيم في «الحلية» (١٠/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>