للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنًّا، فقالوا له: هاتِ ما عندك يا عراقيُّ؛ فأطرق ساعةً، ودمعت عيناه، ثمَّ قال: عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه، متَّصلٌ بذكر ربِّه، قائمٌ بأداء حقوقه، ناظرٌ إليه بقلبه، أحرق قلبَه أنوارُ هيبته، وصفا شربُه من كأس ودِّه، وانكشف له الجبَّار من أستار غيبه، فإن تكلَّم (١) فبالله، وإن نطق فمن الله، وإن تحرَّك (٢) فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله؛ فبكى الشُّيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جبرك الله يا تاجَ العارفين (٣).

فصل

قال الشيخ (٤): (الدرجة الثانية: فناء شهود الطلب لإسقاطه، وفناء شهود العلم لإسقاطه (٥)، وفناء شهود العيان لإسقاطه).

إنَّما كانت هذه الدرجة من الفناء أعلى عنده ممَّا قبلها لأنَّها أبلغ في الفناء من جهة فناء أربابها عن فنائهم، قد سقط عن قلوبهم ذكرُ أحوالهم ومقاماتهم لِما هم فيه من الشُّغل بربِّهم.

وقوله: (لإسقاطه) أي: لإسقاط الشُّهود، لا إسقاطِ المشهود، فالطلب والعلم والعيان قائمٌ، وقد سقط شُّهوده لاستغراق صاحبه في المطلوب المعايَن.


(١) ش، د، ت: «علم»، والمثبت من ر موافق لمصدر النقل.
(٢) ت، ر: «عمل».
(٣) «القشيرية» (ص ٦٦١).
(٤) «المنازل» (ص ١٠٤).
(٥) لفظ مطبوعة «المنازل»: «فناء شهود المعرفة لإسقاطها». وكذا في شرحي التلمساني (ص ٥٧١) والقاساني (ص ٥٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>