للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المريد السالك تعرض له غفلةٌ عن مراده تُضعف إرادتَه، وشهوةٌ تعارض إرادته فتصدُّه عن مراده، ورجوعٌ عن مراده سلوةً عنه.

فهذه الدرجة من الإخبات تحميه عن هذه الثلاثة، فـ (تستغرق عصمته شهوته)، والعصمة هي الحماية والحفظ، والشهوة: الميل إلى مطالب النفس، والاستغراق للشيء: الاحتواء عليه والإحاطة به. يقول: تغلب عصمتُه شهوتَه وتقهرها، وتستوفي جميع أجزائها. فإذا استوفت العصمة جميع أجزاء الشَّهوة، فذلك دليل على إخباته ودخوله في مقام الطُّمأنينة ونزولِه منازلَها، وخَلاصِه في هذا المنزل من تردُّد الخواطر بين الإقبال والإدبار والرُّجوعِ والعزم، إلى الاستقامة والعزم الجازم والجدِّ في السَّير. وذلك علامة السكينة.

و (تستدرك إرادتُه غفلتَه)، والإرادة عند القوم هي اسمٌ لأوَّل منازل القاصدين إلى الله تعالى، والمريد هو الذي قد خرج من وطن طبعه ونفسه وأخذ في السير إلى الله والدار الآخرة، فإذا نزل في منزلة الإخبات أحاطت إرادتُه بغفلته، فاستدركها (١) واستدرك بها فارطها.

وأمَّا (استهواء طلبه لسلوته)، فهو قهر محبَّته لسلوته وغلبتُها له، بحيث تهوي السلوةُ وتسقط، كالذي يهوي في بئرٍ. وهذا علامة المحبَّة الصادقة أن تقهر واردَ السلوة وتدفنها في هُوَّةٍ لا تحيا بعدها أبدًا.

فالحاصل: أنَّ عصمته وحمايته تقهر شهوته، وإرادته تقهر غفلته، ومحبَّته تقهر سلوته.


(١) ع: «فاستدركتها».

<<  <  ج: ص:  >  >>