للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوهم إنَّما دخل حيث يظنُّ الظانُّ أنَّ التوكُّل مقصور على معلوم الرِّزق، وقوت البدن، وصحَّة الجسم. ولا ريب أنَّ هذا التوكُّل ناقصٌ بالنِّسبة إلى التوكُّل في إقامة الدِّين والدعوة إلى الله.

قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الأولى: أن يعلم أنَّ العبد لا يملك قبل عمله استطاعةً، فلا يأمن من مكر، ولا ييأس من معونة، ولا يعوِّل على نيَّة).

أي: يتحقَّق أنَّ استطاعته بيد الله لا بيده، فهو مالكها دونه، فإن لم (٢) يعطه الاستطاعة فهو عاجز، فهو لا يتحرَّك إلَّا بالله لا بنفسه، فكيف يأمن المكر؟! وهو: أن لا يحرِّكَه مَن حركتُه بيده، بل يُثبِّطه ويُقعده مع القاعدين (٣)، كما قال فيمن منعه مِن هذا التوفيق: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦].

فهذا مكر الله بالعبد: أن يقطع عنه موادَّ توفيقه، ويخلِّي بينه وبين نفسه، ولا يبعث دواعيه ولا يحرِّكه إلى مرضاته ومحابِّه. وليس هذا حقًّا علاه يكون ظالمًا بمنعه، بل هو مجرَّد فضله الذي يُحمَد على بذله لمن بذله له، وعلى منعه لمن منعه (٤) إيَّاه، فله الحمد على هذا وهذا.


(١) «المنازل» (ص ٣٥).
(٢) ع: «فإنه إن لم».
(٣) السياق في ع: «فكيف يأمن المكر وهو محرَّك لا محرِّك، يحرّكه مَن حركتُه بيده، وإن شاء ثبَّطه وأقعده مع القاعدين».
(٤) «لمن منعه» ساقط من ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>