وقولهم:«فني من لم يكن، وبقي من لم يزل»، إن أرادوا به: فني في الوجود الخارجيِّ، فهذا مكابرةٌ. وإن أرادوا به أنّه فني في الشُّهود، فهذا نقصٌ في الإيمان والتّوحيد كما تقرّر. وإن أرادوا به أنه يفنى في القصد والإرادة والمحبّة، فهذا هو الحقُّ، وهو الفناء عن إرادة السِّوى وقصده ومحبّته.
قوله:(هذا توحيد الخاصّة، الذي يصحُّ بعلم الفناء، ويصفو في علم الجمع، ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع)، يعني: توحيد المتوسِّطين الذين ارتفعوا عن العامَّة، ولم يصلوا إلى منزل خاصَّة الخاصَّة.
وقوله:(يصحُّ بعلم الفناء)، ولم يقل: بحقيقة الفناء، لأنَّ درجة العلم في هذا السُّلوك قبل درجة الحال والمعرفة، وصاحبُ هذه الدرجة متوسِّطٌ لم يبلغ الغاية، وحالُ الفناء لصاحب الدّرجة الثّالثة.
وكذلك قوله:(ويصفو في علم الجمع)، فإنّ علم الجمع قبل حال الجمع، كما تقدَّم في بابه.
وقوله:(ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع)، يريد: أنَّ هذا المقامَ يجذب أهله إلى توحيد الفريق الذين فوقهم، وهم أصحاب الجمع.
وقد تقدّم ذكرُ الجمع (١) ولم يحصل به الشِّفاء. ونحن الآن ذاكرون حقيقته وأقسامه، والصَّحيح منه والمعلول. والله المستعان.
الجمعُ في اللُّغة: الضّمُّ. والاجتماعُ: الانضمام. والتّفريق: ضدُّه. وأمّا في