الملاحظة المذكورة سالكٌ سبيلَ الذين شهدوا عينَ الأزل، فنفى عنهم شهودَ الحدث. وذلك بالفناء في حضرة الجمع، فإنّها هي التي يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل.
فإن أراد بإسقاط الحدَث أنّه يعتقد نفيَ حدوثِ شيءٍ، فهذا مكابرةٌ للحسِّ والشُّهود. وإن أراد إسقاطَ الحدث من قلبه، فلا يشهد مُحْدَثًا ــ وهذا مراده ــ فهذا خلاف ما أُمِر به وخلافُ الحقِّ، فإنَّ العبدَ مأمورٌ أن يشهد: أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، ويشهد أنّ الجنَّة حقٌّ، والنَّارَ حقٌّ، والسَّاعةَ حقٌّ، والنَّبيِّين حقٌّ؛ ويشهد حدوثَ المحدَثات بإحداث الرَّبِّ تعالى لها بمشيئته وقدرته، وبما خلقه من الأسباب، ولما خلقه من الحكم. ولم يُؤمَر العبد ــ بل لم يُرَدْ منه ــ أن لا يشهد حادثًا ولا حدوثَ شيءٍ. وهذا لا كمال فيه ولا معرفة، فضلًا عن أن يكون غايةَ العارف وتوحيدَ الخاصَّة. والقرآنُ ــ من أوّله إلى آخره ــ صريحٌ بخلافه، فإنّه أمرَ بشهود الحادثات والكائنات، والنّظر فيها، والاعتبار بها، والاستدلال بها على وحدانيّة الله سبحانه وعلى أسمائه وصفاته. فأعرَفُ النّاس به وبأسمائه وصفاته أعظَمُهم شهودًا لها، ونظرًا فيها، واعتبارًا بها. فكيف يكون لبُّ التّوحيد وقلبُه وسرُّه إسقاطَها من الشُّهود؟
فإن قلت: إنّما يريد إسقاطَها من التفات القلب إليها والوقوف معها.
قلتُ: هذا قد تقدَّم في أوّل الدّرجة في قوله: (وهو إسقاط الأسباب الظّاهرة)، وقد عرفتَ ما فيه.
وبالجملة: فالإسقاطُ إمّا لِعَين الوجود، أو لِعَين الشُّهود، أو لِعَين القُصود. فالأوّل: محالٌ، والثّاني: نقصٌ، والثّالث: حقٌّ، لكنّه ليس مراد