للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

قال (١): (باب التلبيس. قال الله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: ٩]).

ليته - رحمه الله - لم يستشهد بهذه الآية في هذا الباب، فإنّ الاستشهاد بها على مقصوده أبعدُ شاهدٍ عليه، وأبطلُه شهادةً. وليتَه لم يُسمِّ هذا الباب بالتّلبيس، واختار له اسمًا أحسنَ منه موقعًا (٢).

فأمّا الآية: فإنّ معناها غير ما عقد له الباب من كلِّ وجهٍ، فإنّ المشركين قالوا تعنُّتًا في كفرهم: {(٧) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ} [الأنعام: ٨]، يَعْنُون: ملَكًا نشاهده ونراه، نشهد له ونصدِّقه، وإلّا فالملك كان ينزل عليه بالوحي من الله. فأجاب الله تعالى عن هذا، وبيَّن الحكمة في عدم إنزال الملك على الوجه الذي اقترحوه بأنّه لو أنزل ملَكًا كما اقترحوا، ولم يؤمنوا به ويصدِّقوه= لعُوجِلوا بالعذاب، كما استمرَّتْ به سنَّته تعالى مع الكفار في آيات الاقتراح إذا جاءتهم ولم يؤمنوا، فقال: {مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ} [الأنعام: ٨]. ثمّ بيّن سبحانه أنّه لو أنزل ملكًا كما اقترحوا لما حصل به مقصودُهم؛ لأنّه إن أنزله في صورته لم يَقدِروا على التلقِّي عنه، إذ البشر لا يقدر على مخاطبة الملك ومباشرته. وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ــ وهو أقوى الخلق ــ إذا نزل عليه الملَكُ كرب لذلك، وأخذتْه البُرَحَاء، وتحدّر منه العَرَق في اليوم الشّاتي. وإن


(١) المصدر نفسه (ص ١٠٦).
(٢) في ت تعليق بإزائه: «كأن يسميه بباب التورية».

<<  <  ج: ص:  >  >>