والتدبير والقدرة، ومع أوليائه بالحفظ والكلاءة والنُّصرة، وهم معه بالموافقة والمحبّة، وصارت هذه اللّفظة مِجَنًّا وتُرْسًا للملاحدة من الاتِّحاديّة، فقالوا: إنّه لا وجودَ سوى وجوده أزلًا وأبدًا وحالًا، فليس في الوجود إلّا الله وحده، وكلُّ ما تراه وتلمسه وتذوقه وتشمُّه وتباشره فهو حقيقةً الله.
وأمَّا أهل التوحيد فقد يُطلقون هذه اللفظة ويريدون بها معنًى صحيحًا، وهو أنّ الله سبحانه لم يزل منفردًا بنفسه عن خلقه، ليس مخالطًا لهم، ولا حالًّا فيهم، ولا مُمازِجًا لهم، بل هو بائنٌ عنهم بذاته وصفاته.
وأمَّا الشيخ وأرباب الفناء فقد يَعنُون معنًى أخصَّ من ذلك، وهو المشار إليه بقوله:(أن لا يُناسِمَ رسمُك سبْقَه)، أي لا ترى أنّك معه بل تراه وحده، ولهذا قال (١): (فتسقطُ الشّهادات، وتبطُلُ العبارات، وتَفنى الإشارات)، يعني: أنّك إذا لم تشهد معه غيره، وأسقطتَ الغير من الشُّهود لا من الوجود، بخلاف ما يقول الملحد الاتِّحاديُّ: إنّك تُسقِط الغيرَ شهودًا ووجودًا= سقطت الشهاداتُ والعبارات والإشارات؛ لأنّها صفات العبد المُحدَث المخلوق، والفناءُ يوجب إسقاطها.
والمعنى: أنَّ الواصل إلى هذا المقام لا يرى مع الحقِّ سواه، فيمحو السِّوى في شهوده. وعند الملحد يمحوه من الوجود. والله الموفِّق.