للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود: أنّ عدم رؤية العبد لنفسه حقًّا على الله لا ينافي ما أوجب الله على نفسه، وجعله حقًّا لعبده. قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه -: «يا معاذ (١)، أتدري ما حقُّ الله على العباد؟» قال: الله ورسوله أعلم. قال: «حقُّه عليهم أن يعبدوه لا يُشرِكوا به شيئًا. يا معاذ، أتدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حقُّهم عليه أن لا يُعذِّبهم بالنّار» (٢).

فالرّبُّ سبحانه ما لأحدٍ عليه حقٌّ، ولا يضيع لديه سعيٌ. كما قيل (٣):

ما للعباد عليه حقٌّ واجبٌ ... كلّا ولا سعيٌ لديه ضائعُ

إن عُذِّبوا فبعدْلِه، أو نُعِّموا ... فبفضله، وهو الكريم الواسعُ

وأمّا قوله: (وتنزِل عن رسْمِك في المشاهدة).

أي من جملة التّواضع للحقِّ: فناؤك عن نفسك، فإنّ رسمه هي نفسه، والنُّزول عنها: فناؤه عنها حين شهود الحضرة. وهذا النُّزول يصحُّ أن يقال كسبيٌّ باعتبارٍ، وإن كان عند القوم غيرَ كسبيٍّ لأنّه يحصل عند التّجلِّي، والتّجلِّي نورٌ، والنُّور يَقْهَر الظُّلمة ويُبطِلها. والرّسم عند القوم ظُلمةٌ، فهي تنفر من النُّور بالذّات، فصار النُّزول عن الرّسم حين التّجلِّي ذاتيًّا.


(١) «يا معاذ» ليست في ش، د.
(٢) أخرجه البخاري (٥٩٦٧، ٦٢٦٧، ٧٣٧٣) ومسلم (٣٠) من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -.
(٣) البيتان ذكرهما المؤلف في «طريق الهجرتين» (٢/ ٦٩١)، و «بدائع الفوائد» (٢/ ٦٤٥) وغيرهما، ولم ينسبهما لأحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>