للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

قال شيخ الإسلام (١): (باب المعاينة: قال الله تعالى: {(٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ} [الفرقان: ٤٥]).

قلت: المعاينة مفاعلةٌ من العِيان، وأصلها من الرُّؤية بالعين، يقال: عاينَه إذا وقعت عينُه عليه، كما يقال: شافَهَه إذا كلَّمه شِفاهًا، وواجَهَه إذا قابله بوجهه. وهذا مستحيلٌ في هذه الدّار أن يظفر به بشرٌ.

وأمّا قوله تعالى: {(٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ} فالرُّؤية واقعةٌ على نفس مدِّ الظِّلِّ، لا على الذي مَدَّه سبحانه، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: ١٥]، وقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: ١]. فهاهنا أوقع الرُّؤية على نفس الفعل، وفي قوله: {(٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ} أوقعَها في اللّفظ عليه سبحانه، والمراد فِعْلُه من مدِّ الظِّلِّ، وهذا كلامٌ عربيٌّ بيِّنٌ معناه، غير محتملٍ ولا مجملٍ، كما قيل في العُزّى: كُفرانَكِ اليومَ لا سبحانَكِ، إنِّي رأيتُ الله قد أهانكِ (٢).

وهو كثيرٌ في كلامهم، يقولون: رأيتُ الله قد فعلَ كذا وكذا، والمراد رأيتُ فعْلَه. فالعيان والرُّؤية واقعٌ على المفعول، لا على ذاتِ الفاعل وصفتِه ولا فِعْلِه القائم به.


(١) «المنازل» (ص ٩٤).
(٢) قاله خالد بن الوليد عندما واجهها، ثم ضربها وفلق رأسها، كما في كتاب «الأصنام» لابن الكلبي (ص ٢٥ - ٢٦)، و «تلبيس إبليس» (ص ٥٣ - ٥٤)، و «إغاثة اللهفان» (٢/ ٩٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>