للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كان هكذا فإنَّ الشَّارعَ لا يبيحه، فضلًا عن أن يوجبه ويأمر به.

قالوا: وربَّما كان إعلامُه به سببًا للعداوة والحرب بينه وبين القائل، فلا يصفو له أبدًا، ويورثُه علمُه به عداوةً وبغضاءَ مولِّدةً لشرٍّ أكبرَ من شرِّ الغيبة والقذف. وهذا ضدُّ مقصود الشَّارع من تآلُف القلوب والتَّراحُم والتَّعاطُف والتَّحابِّ.

قالوا: والفرق بين ذلك وبين الحقوق الماليِّة وجنايات الأبدان من وجهين:

أحدهما: أنّه قد ينتفع بها إذا رجعت إليه، فلا يجوز إخفاؤها عنه، فإنَّه محضُ حقِّه، فيجب عليه أداؤه إليه؛ بخلاف الغيبة والقذف، فإنَّه ليس هناك شيءٌ ينفعه يؤدِّيه إليه إلَّا إضرارُه وتهييجُه فقط. فقياسُ أحدهما على الآخر من أفسَدِ القياس.

والثّاني: أنّه إذا أعلمه بها لم يؤذه، ولم يهيِّج منه غضبًا وعداوةً، بل ربَّما سرّه ذلك وفرح به؛ بخلاف إعلامِه بما مزَّق به عرضَه طول عمره ليلًا ونهارًا، من أنواع القذف والغيبة والهجو. فاعتبارُ أحدهما بالآخر اعتبارٌ فاسدٌ.

وهذا هو الصَّحيحُ من القولين كما رأيتَ. والله أعلم.

فصل

ومن أحكامها: أنَّ العبد إذا تاب من الذَّنب فهل يرجع إلى ما كان عليه قبل الذَّنب من الدَّرجة التي حطَّه عنها الذَّنبُ، أو لا يرجع إليها؟ (١).


(١) للمصنف كلام مفصَّل على هذه المسألة في "طريق الهجرتين" (٢/ ٥٠٥ - ٥٣٦)، وتكلَّم عليها في "الداء والدواء" (ص ٢٠٧ - ٢٠٨) أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>