للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلف في ذلك.

فقالت طائفةٌ: يرجع إلى درجته، لأنَّ التَّوبةَ تجُبُّ الذَّنبَ بالكلِّيّة، وتُصيِّره كأن لم يكن، والمقتضي لدرجته ما معه من الإيمان والعمل الصّالح، فعاد إليها بالتّوبة.

قالوا: ولأنَّ التَّوبةَ حسنةٌ عظيمةٌ وعملٌ صالحٌ، فإن كان ذنبُه قد حطَّه عن درجته، فحسنتُه بالتَّوبة رقَّته (١) إليها. وهذا كمن سقط في بئرٍ، وله صاحبٌ شفيقٌ، أدلى إليه حبلًا تمسَّك به حتّى رقي منه إلى موضعه. فهكذا التَّوبةُ والعملُ الصَّالحُ مثل هذا القرين الصَّالح والأخ الشَّفيق.

وقالت طائفةٌ: لا يعود إلى درجته وحاله، لأنّه لم يكن في وقوفٍ، بل كان (٢) في ترقٍّ وصعودٍ، فبالذَّنب صار في نزولٍ وهبوطٍ؛ فإذا تاب نقَص عليه ذلك القدرُ الذي كان مستعدًّا فيه للتَّرقِّي.

قالوا: ومثَلُ هذا مثَلُ رجلين سائرين على طريقٍ سيرًا واحدًا، ثمّ عرَض لأحدهما ما ردَّه على عقبه أو أوقفه، وصاحبُه سائرٌ؛ فإذا استقال هذا رجوعَه ووقفتَه وسار بإثر صاحبه لم يلحَقْه أبدًا، لأنَّه كلَّما سار مرحلةً تقدَّم ذلك أخرى.

قالوا: والأوَّلُ سيرُه بقوّة أعماله (٣)، وكلَّما ازداد سيرًا ازدادت قَوّتُه.


(١) ل، ج: "ترقيه".
(٢) ع: "وإنما كان".
(٣) في ع بعده زيادة: "وإيمانه"، وكذا بعد "سيره" في السطر الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>