للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك الواقف الذي رجع قد ضعفت قوَّةُ سيره بالوقوف والرُّجوع.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يحكي هذا الخلاف، ثمَّ قال: والصَّحيحُ أنَّ من التَّائبين (١) من لا يعود إلى درجته، ومنهم من يعود إليها، ومنهم من يعود إلى أعلى منها فيصير خيرًا ممَّا كان قبل الذَّنب. وكان داود بع التَّوبة خيرًا منه قبل الخطيئة.

قال: وهذا بحسب حال التّائب بعد توبته وعزمه وحذره وجدِّه (٢) وتشميره. فإن كان ذلك أعظمَ ممَّا كان له قبل الذّنب عاد خيرًا ممّا كان وأعلى درجةً، وإن كان مثلَه عاد إلى مثل حاله، وإن كان دونه لم يعُد إلى درجته وكان منحطًّا عنها (٣).

وهذا الذي ذكره هو فصلُ النِّزاع في هذه المسألة.

ويتبيَّن هذا بمثلين مضروبين:

أحدهما: رجلٌ مسافرٌ سائرٌ على الطَّريق بطمأنينةٍ وأمنٍ، فهو يعدو مرَّةً ويمشي أخرى، ويستريح تارةً وينام أخرى. فبينا هو كذلك إذ عرض له في طريق سيره ظلٌّ ظليلٌ، وماءٌ باردٌ، ومقيلٌ، وروضةٌ مزهرةٌ؛ فدعته نفسُه إلى النُّزول عليها، فنزلَ عليها، فوثب عليه منها عدوٌّ، فأخَذَه وقيَّده وكتَّفه ومنَعه عن السَّير، فعاين الهلاك وظنّ أنّه منقطَعٌ به، وأنَّه رزقُ الوحوش والسِّباع،


(١) ش: "الناس".
(٢) في ع "وجدِّه" بعد "توبته".
(٣) انظر: "منهاج السنة" (٢/ ٤٣٢ - ٤٣٤)، و"مجموع الفتاوى" (١٠/ ٢٩٣ - ٢٩٤)، (١٥/ ٥٤ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>