للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعملْ على إعدام هذا الخُلقِ من نفسك، بل اصرِفْه إلى الحسد المحمود، الحامل على المنافسة في الرتب العالية وتزاحُم أهلها بالركَب. نعم، لا تَتمنَّ زوالَ نعمة الله عن عبد فتزولَ عنك ويُبقِيها عليه.

وكذلك خُلق الحِرص، فإنه من أنفع الأخلاق وأَوصلِها إلى كل خير، وشدةُ الطلب بحسب قوة الحرص، فلا تعملْ على قطعها، ولكن علِّقْها بما ينفع النفسَ في معادها ويُكمِلها ويزكّيها، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «احرِصْ على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تَعجِزْ» (١). فقوة الحرص لا تُذَمُّ، وإنما يُذَمُّ صرفُها إلى ما يضرُّ الحرص عليه، أو لا ينفع وغيرُه (٢) أنفعُ للعبد منه.

وكذلك قوة الشهوة من أنفع القوى للعبد، وأَوصلِها إلى كماله وسعادته، فإنها تُثمِر المحبة. وبحسب شهوة العبد للكمال يكون طلبه له، وبحسب قوة شهوته للذة العيش ووصال الأحبَّة وقرة العين يكون طلبه لذلك في الجنة إن كان مؤمنًا بها موقنًا مصدقًا. فصِدْقُ الشهوة وقوتُها تَحمله على بيع مُشتهًى دنيٍّ خسيسٍ بمشتهًى أعلى منه وأجلَّ وأرفعَ.

وكذلك قوة الشُّحِّ والبخل محمودة جدًّا نافعةٌ للعبد، فإنها تحمله على بخله وشُحِّه بزمانه ووقته وأنفاسه أن يُضيِّعها ويَسمَح بها لمن لا يُساوي، ويَشِحُّ أيضًا غايةَ الشحِّ على حظّه ونصيبه من الله أن يبيعَه أو يهبَه لأحدٍ من الخلق، ويشحُّ أيضًا بماله ويبخل به كلَّ البخل أن لا يكون في ميزانه، وأن يتركه لغيره يتنعَّم به، ويفوتَه هو أجره وثوابه. فالشحيح بماله المحبُّ له هو


(١) أخرجه مسلم (٢٦٦٤) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) ش، د: «أو ما غيره».

<<  <  ج: ص:  >  >>