للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة التسليم، وهي نوعان: تسليمٌ لحكمه الدينيِّ الأمريِّ، وتسليمٌ لحكمه الكوني القدري.

فأمَّا الأوَّل فهو تسليم المؤمنين العارفين. قال تعالى: {وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥]، فهذه ثلاث مراتب: التحكيم، وسعة الصدر بانتفاء الحرج، والتسليم.

وأما التسليم للحكم الكوني فمزلَّة أقدام، ومضلَّة أفهام، حيَّر الأنام، وأوقع الخصام. وهي مسألة الرِّضا بالقضاء، وقد تقدَّم الكلام عليها بما فيه كفاية (١)، وبينَّا أنَّ التسليم للقضاء يُحمَد إذا لم يؤمر العبد بمنازعته ودفعه ولم يقدر على ذلك، كالمصائب التي لا قدرة له على دفعها. وأمَّا الأحكام التي أُمِر بدفعها، فلا يجوز له التسليم إليها، بل العبوديَّة مدافعتُها بأحكامٍ أُخَر أحبَّ إلى الله منها.

فصل

قال صاحب «المنازل» (٢): (وفي التسليم والثِّقة والتفويض ما في التوكُّل من العلل. وهو من أعلى درجات سبل العامَّة).

يعني أنَّ العلل التي في التوكُّل من معاني الدعوى، ونسبةِ الشيء إلى


(١) انظر (١/ ٣٩١ - ٣٩٩)، وستأتي مرَّةً أخرى (ص ٥٠١ - ٥١٠).
(٢) (ص ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>