للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها انكشف لهم من ذنوبهم ومعاصيهم ما لم ينكشف للعامَّة، إذ حرصُ العامَّة على الاستكثار من الطاعات ولذلك كثرت في أعينهم؛ وحرصُ هؤلاء على تنقية الآفات والتَّفتيش على عيوب الأعمال. فاستقلالُ السَّيِّئات آفة هؤلاء وقاطعُ طريقهم، واستكثارُ الحسنات وعِظمُها في قلوب أولئك آفتُهم وقاطعُ طريقهم. فذكَر ما هو الأخصُّ الأغلبُ على كلِّ واحدةٍ من الطّائفتين.

فصل

قال صاحب "المنازل" (١): (وتوبةُ الخواصِّ من تضييع الوقت، فإنّه يدعو إلى درَكِ النَّقيصة، ويُطفئ نورَ المراقبة، ويُكدِّر عينَ الصُّحبة).

ليس مرادُه بتضييع الوقت إضاعتَه في الاشتغال بمعصيةٍ أو لغوٍ، أو الإعراضِ عن واجبه وفرضه، فإنّهم لو أضاعوه بهذا المعنى لم يكونوا من الخواصِّ، بل هذه (٢) توبةُ العامَّةِ بعينها. والوقتُ عند القوم أخصُّ منه في لغة العرب، حتّى إنَّ منهم من يقول: الوقت هو الحقُّ، ومنهم من يقول: استغراقُ رسم العبد في وجود الحقِّ، يشيرون إلى الفناء في حضرة الجمع (٣). والغالبُ على اصطلاحهم أنّه زمنُ الإقبال على الله تعالى بالمراقبة والحضور والفناء في الوحدانيّة. ويقولون: هو صاحبُ وقتٍ مع الله، فخصُّوا الوقتَ بهذا الاسم تخصيصًا للَّفظ العامِّ ببعض أفراده، وإلّا فكلُّ مَن هو مشغولٌ بأمرٍ يعنى به فانٍ في شهوده وطلبه، فله وقتٌ معه، بل أوقاته مستغرقةٌ فيه.


(١) "منازل السائرين" (ص ١١).
(٢) بعده في ش زيادة: "التوبة"، وكذا في هامش م.
(٣) انظر: باب الوقت في "منازل السائرين" (ص ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>