للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوِزان ما قاله منكرو الأسباب: أن يترك كلٌّ مِن هؤلاء السببَ الموصلَ ويقول: إن كان قُضي لي وسبق في الأزل حصولُ الولد والشِّبع والريِّ والحجِّ ونحوها= فلابدَّ أن يصل إليَّ، تحرَّكت أو سكنت، تزوَّجت أو تركت، سافرت أو قعدت, وإن لم يكن قضي لي لم يحصل لي أيضًا فعلت أو تركت. فهل يَعدُّ أحدٌ هذا من جملة العقلاء؟ وهل البهائم إلَّا أفقه منه؟ فإنَّ البهيمة تسعى في السبب بالهداية العامَّة.

فالتوكُّل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التّوكُّل. ولكن من تمام التوكُّل عدم الرُّكون إلى الأسباب، وقطعُ علاقة القلب بها؛ فيكون حالُ قلبِه قيامَه بالله لا بها، وحالُ بدنه قيامَه (١) بها.

فالأسباب محلُّ حكمة الله وأمره ودينه، والتوكُّل متعلِّقٌ بربوبيَّته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبوديَّة الأسباب إلّا على ساق التوكُّل، ولا يقوم ساق التوكُّل إلّا على قدم العبوديَّة.

فصل

الدرجة الثالثة: رسوخ القلب في مقام التوحيد (٢)، فإنَّه لا يستقيم توكُّل العبد حتى يصحَّ له توحيده، بل حقيقة التّوكُّل توحيد القلب, فما دامت فيه علائق الشِّرك فتوكُّله معلول مدخول.

وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحَّة التوكُّل، فإنَّ العبد متى التفت


(١) «قيامه» من ع.
(٢) ع: «التوكل» , خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>