فمن أعرض عن طلب ما سوى الله، ولم يشُبْ طلبه له بعوضٍ، بل كان حبًّا له وإرادةً خالصةً لوجهه= فهو في الحقيقة الذي يفوز بالأعواض والأقسام والحظوظ كلِّها. فإنّه لمّا لم يجعلها غايةَ طلبه، توفّرتْ عليه في حصولها، وهو محمودٌ مشكورٌ مقرَّبٌ. ولو كانت هي مطلوبةً لنقصتْ عليه بحسب اشتغاله بطلبها وإرادتها عن طلب الرّبِّ تعالى لذاته وإرادته.
فهذا قلبه ممتلئٌ بها، والحاصل له منها نزرٌ يسيرٌ. والعارف ليس قلبه متعلِّقًا بها، وقد حصلتْ له كلُّها. فالزُّهد فيها لا يُفِيتُكها، بل هو عين حصولها. والزُّهد في الله هو الذي يُفِيتكه ويُفِيتُك الحظوظَ. وإذا كان لك أربعة عبيدٍ: أحدهم يريدك ولا يريد منك، بل إرادته مقصورةٌ عليك وعلى مرضاتك. والثّاني يريد منك ولا يريدك، بل إرادته مقصورةٌ على حظوظه منك. والثّالث يريدك ويريد منك. والرّابع لا يريدك ولا يريد منك، بل هو متعلِّق القلب ببعض عبيدك، فله يريد، ومنه يريد. فإنّ آثَرَ العبيدِ عندك، وأحبَّهم إليك، وأقربَهم منك منزلةً، والمخصوصَ من إكرامك وعطائك بما لا يناله العبيدُ الثّلاثة= هو الأوّل. وهكذا نحن عند الله سواء.
وأمّا قوله:(ولا تَقِفُ في شهودِك على رَسْمٍ).
أي: لا يكون منك نظرٌ إلى السِّوى عند الشُّهود، كما تقدّم مرارًا.
وهذا عند القوم غير مكتسَبٍ، فإنّ الشُّهود إذا صحّ محا الرُّسومَ ضرورةً في نظر الشّاهد، فلا حاجةَ إلى أن يشرط عليه عدم الوقوف عليها. والشُّهود