للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا من رأى صبره لله، وصبَرَ بالله (١)، وصبر مع الله، مشاهدًا أنَّ صبره به تعالى لا بنفسه= فهذا لا تلحق محبَّته وحشةٌ، ولا توحيدَه نكارةٌ.

ثمَّ لو استقام له هذا لكان في نوعٍ واحدٍ من أنواع الصبر، وهو الصبر على المكاره. فأمَّا الصبر على الطاعات، وهو حبس النفس عليها؛ وعن المخالفات، وهو منع النفس منها طوعًا واختيارًا والتذاذًا= فأيُّ وحشةٍ في هذا؟ وأيُّ نكارةٍ فيه؟

فإن قيل: إذا كان يفعل ذلك طوعًا ومحبَّةً ورضًا وإيثارًا، لم يكن الحامل له على ذلك الصبر، فيكون صبره في هذه الحال ملزوم الوحشة والنكارة، لمنافاتها لحال المحبِّ.

قيل: لا منافاة في ذلك بوجهٍ، فإنَّ صبره حينئذٍ قد اندرج في رضاه وانطوى فيه، وصار الحكم للرِّضا، لا أنَّ الصبر عدمٌ، بل لقوَّة وارد الرِّضا والحبِّ وإيثارِ مراد المحبوب= صار المشهد والمنزل للرِّضا بحكم الحال، والصبر جزءٌ منه ومنطوٍ فيه.

ونحن لا ننكر هذا القدر، فإن كان هو المراد فحبَّذا الوفاق، وليس المقصود القيل والقال ومنازعات الجدال. وإن كان غيره، فقد عرف ما فيه.

فصل

قال (٢): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدرجة الأولى: الصبر عن المعصية،


(١) ع: «رأى صبره بالله، وصبَرَ لله».
(٢) (ص ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>