للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمر أحبَّ الخلق إليه بالصبر لحكمه (١)، وأخبر أنَّ صبره به. وأثنى على الصابرين أحسن الثناء، وضَمِن لهم أعظم الجزاء، وجعل أجر غيرهم محسوبًا وأجرَهم بغير حسابٍ.

وقرن الصّبر بمقامات الإسلام والإيمان والإحسان كما تقدّم، فجعله قرين التوكل واليقين، والإيمان، والأعمال، والتقوى.

وأخبر أنَّ آياته لا ينتفع بها إلا أولو الصّبر، وأخبر أنَّ الصبر خيرٌ لأهله، وأنَّ الملائكة تسلِّم عليهم في الجنة بصبرهم، كما تقدَّم ذلك.

وليس في استكراه النُّفوس لألم ما تصبر عليه وإحساسِها به ما يقدح في محبَّتها ولا توحيدها، فإنَّ إحساسها بالألم ونفرتها منه أمرٌ طبعيٌّ لها، كاقتضائها للغذاء من الطعام والشراب وتألُّمها بفقده. فلوازم النفس لا سبيل إلى إعدامها وتعطيلها بالكلِّيَّة، وإلَّا لم تكن نفسًا إنسانيَّةً وارتفعت المحبة (٢)، وكانت عالمًا آخر.

والصبر والمحبَّة لا يتناقضان، بل يتواخيان ويتصاحبان، والمحبُّ صبور. بل (٣) علَّة الصبر في الحقيقة، المُناقِضةُ للمحبَّة، المُزاحِمةُ للتوحيد: أن يكون الباعث عليه غيرَ إرادة رضا المحبوب، بل إرادةَ غيره، أو مزاحمتُه بإرادة غيره، أو المرادِ منه لا مرادِه؛ هذه هي وحشة الصبر ونكارته.


(١) وذلك في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤].
(٢) ع: «المحنة».
(٣) في الأصل، ل: «بلى». وفي ع: «بلا». ولعل المثبت من سائر النسخ أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>