للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا سبب كون الصبر منكرًا في طريق التوحيد، بل من أنكر المنكر كما قال، لأنَّ التوحيد يردُّ الأشياء إلى الله، والصبر يردُّ الأشياء إلى النفس، وإثبات النفس في التوحيد منكر.

هذا حاصل كلامه محرَّرًا مقرَّرًا (١). وهو من منكر كلامه.

بل الصبر من آكد المنازل في طريق المحبَّة، وألزمها للمحبِّين، وهم أحوج إلى منزلته من كلِّ منزلةٍ. وهو من أعرف المنازل في طريق التوحيد وأبينها، وحاجة المحبِّ إليه ضروريَّةٌ.

فإن قيل: كيف تكون حاجة المحبِّ إليه ضروريةً، مع منافاته لكمال المحبَّة، فإنَّه لا يكون إلا مع منازعات النفس لمراد المحبوب؟

قيل: هذه هي النُّكتة التي كان لأجلها من آكد المنازل في طريق المحبَّة وأعلقها بها. وبه يُعلم صحيح المحبَّة مِن معلولها، وصادقُها من كاذبها، فإنَّ بقوَّة الصبر على المكاره في مراد المحبوب يُعلم صحَّة محبَّته.

ومن هاهنا كانت محبَّة أكثر الناس كاذبةً، لأنَّهم كلَّهم ادَّعَوا محبَّة الله، فحين امتحنهم بالمكاره انخلعوا عن حقيقة المحبَّة، ولم يثبت معه إلَّا الصابرون. فلولا تحمُّل المشاقِّ وتجشُّم المكاره بالصبر لما ثبتت صحَّة محبتهم.

وتبيَّن بذلك أنَّ أعظمهم محبةً أشدُّهم صبرًا. ولهذا وصف الله بالصبر خاصَّة أحبابه وأوليائه، فقال عن حبيبه أيُّوب: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}، ثمّ أثنى عليه فقال: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ} [ص: ٤٤].


(١) والمؤلف صادر في تحريره وتقريره عن «شرح التلمساني» (ص ٢١٩ - ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>