للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: هذا ونحوه من الشَّطحات التي ترجى مغفرتُها بكثرة الحسنات، ويستغرقها كمالُ الصِّدق وصحَّةُ المعاملة وقوَّةُ الإخلاص وتجريدُ التوحيد، ولم تُضمن العصمة لبشرٍ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وهذه الشطحات أوجبت فتنةً على طائفتين من النّاس:

إحداهما: حُجِبت بها عن محاسن هذه الطائفة ولطفِ نفوسهم وصدقِ معاملاتهم، فأهدروها لأجل هذه الشطحات، وأنكروها غاية الإنكار، وأساؤوا الظنَّ بهم مطلقًا. وهذا عدوان وإسراف، فلو كان كلُّ من أخطأ أو غلط تُرِك جملةً وأُهدرت محاسنُه لفسدت العلوم والصِّناعات والحِكَم، وتعطَّلت معالمها.

والطائفة الثانية: حُجبوا بما رأوه من محاسن الطائفة (١)، وصفاءِ قلوبهم، وصحَّة عزائمهم (٢)، وحسن معاملاتهم= عن رؤية عيوب شطحاتهم ونقصانها؛ فسَحَبوا عليها ذيل المحاسن، وأجروا عليها حكم القبول والانتصار لها، واستظهروا بها في سلوكهم. وهؤلاء أيضًا مُعتدون مُفرِطون.

وأهل البصيرة والإنصاف أعطَوا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وأنزلوا كلَّ ذي منزلةٍ منزلته، فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول، ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح، بل قبلوا ما يُقبَل، وردُّوا ما يردُّ.

وهذه الشحطات ونحوها هي التي حذَّر منها سادات القوم، وذمُّوا


(١) ع: «القوم».
(٢) ع: «وقوة عزائمهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>