للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحسان، وخُطَّته: الإساءة. وفي مثلها قال القائل (١):

إذا مرِضْنا أتيناكم نعودكُمُ ... وتُذنِبون فنأتيكم ونَعتذرُ

ومن أراد فهْمَ هذه الدّرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مع النّاس، يجدها هذه بعينها. ولم يكن كمال هذه الدّرجة لأحدٍ سواه، ثمّ للورثة منها بحسب سهامهم من التَّرِكة. وما رأيت أحدًا قطُّ أجمعَ لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيميّة قدّس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: ودِدتُ أنِّي (٢) لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه.

وما رأيته يدعو على أحدٍ منهم قطُّ، وكان يدعو لهم.

وجئتُ يومًا مبشِّرًا له بموتِ أكبرِ أعدائه وأشدِّهم عداوةً وأذًى له، فنهَرَني وتنكَّر لي واسترجع، ثمّ قام من فورِه إلى بيت أهله فعزّاهم، وقال: أنا لكم مكانه، ولا يكون لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدةٍ إلّا وساعدتُكم فيه. ونحو هذا الكلام. فَسُرُّوا به، ودَعَوا له، وعظّموا هذه الحالَ منه. فرحمه الله ورضي عنه.

وهذا مفهومٌ، إلّا الاعتذار إلى من يجني عليك، فإنّه (٣) غير مفهومٍ في بادي الرّأي، إذ لم يصدر منك جنايةٌ توجب اعتذارًا، وغايتك: أنّك لم تؤاخذه، فهل تعتذر إليه من ترك المؤاخذة.


(١) البيت للمؤمّل بن أميل في «التمثيل والمحاضرة» (ص ٩٠)، و «المنتحل» (ص ٩٩)، و «خاص الخاص» (ص ١١٥)، و «نهاية الأرب» (٣/ ٩٢).
(٢) ل: «أن».
(٣) «مفهوم ... فإنه» ليست في ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>